من أبرز الانتقادات التي كانت توجه لجماعات الإسلام السياسي ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين أنهم لا يؤمنون بالديمقراطية بشكل مبدئي ولا يأخذون الحريات المدنية وحقوق الإنسان على محمل الجد وإنما يتخذون صناديق الاقتراع وسيلة للوصول إلى السلطة والإمساك بتلابيبها..
..ومن ثم الانقلاب عليها وفرض رؤيتهم السياسية الفكرية لمفهوم الدولة عبر (دولة الخلافة) كما هي في أدبياتهم القديمة والحديثة، والتي لا تقل بشاعة عن الأنظمة التي يعارضونها أويثورون عليها، وفي المقابل يرد أنصار تلك الجماعات الدينية المسيّسة إن ذلك ما هو إلا ضرب من ضروب الوهم ومحاولة خلق فزّاعة اسمها (تحكيم الشريعة) والحكم الإسلامي الرشيد، وأنه لا يمكن الحكم على مشروع بإنصاف إلا بعد تجربته وإعطائه الفرصة المناسبة؛ لأن يتجسد ويتشكل على الأرض، ومن ثم تقييمه تقييماً موضوعياً.
الآن، وقد وصلت الجماعة الأم إلى السلطة عن طريق الانتخابات، وتمكنت قيادات الإخوان المسلمين من فرصة بلورة المانشيت التاريخي لها (الإسلام هوالحل) نجد أن مخاوف معارضي تلك الجماعة وأخواتها اقرب إلى الحقيقة، وليست مجرد أوهام، بل إن الجماعة ومن خلال قراراتها الرئاسية في أول مائة يوم لها في السلطة أثبتت للمتابعين بأن أيدلوجيتها الفكرية مقدمة على القانون، وأن النصوص الدستورية التي دفعتها إلى سدة الحكم لا حصانة لها إذا ما اصطدمت مع أدبيات الحركة وأنها مستعدة لأن تمارس ذات السلوك الذي كان يمارسه النظام السابق، وإن اختلفت اللافتات المرفوعة وطبيعة من يرفعها.
في أول مائة يوم من حكم الجماعة كان هناك قراران أصدرتهما الرئاسة ؛ الأول كان إعادة مجلس الشعب المنحل بقرار من المحكمة الدستورية والثاني كان بعزل النائب العام والذي يقضي قانون السلطة القضائية بأن النائب العام لا يعزل هذا بالإضافة إلى بعض الممارسات السياسية والقانونية الأخرى التي تصب في ذات الهدف وهو تغول الجماعة في السيطرة على مفاصل الدولة حتى ولو كان على حساب انتهاك سيادة القانون والتنكر للمبادئ الدستورية التي كانوا قبل وصولهم إلى السلطة يتغزلون بها ويقطعون العهود والمواثيق بأنهم سيكونون حراساً لها ومع هذا ومع بداية حكمهم أثبتوا ومن خلال تلك القرارات أنهم لا يمكن أن يؤمنوا بتداول السلطة مع غيرهم، وأن مشروعهم ليس مجرد الوصول إلى السلطة وإنما ابتلاع السلطة.
ويؤكد ما سبق أيضا الحديث المسرب لرئيس حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي التي لا تخرج عن السياق العام لممارسة جماعات الإسلام السياسي التلون وفق رياح التغيير في المنطقة، وأن كل القيم المدنية التي ينادي بها أقطابهم في الفضائيات وشبكات التواصل إنما هي قيم مرحلية وأنهم يملكون النصوص الدينية التي تمكنهم متى ما أرادوا التنصل عنها.
وأود التنبيه إلى أن تقييم أداء جماعة الإخوان المسلمين السياسي في مصر على حساسية البعض منه بحكم أنه ينال من تفاصيل داخلية لدولة أخرى إلا أنه من جانب آخر له أهميته لأن الجماعة هي ذات مشروع رسالي عابر للحدود ولا يتوقف طموحها عند حدود دولة معينة فهي جماعة أممية تهدف إلى تصدير ثورتها لإقامة مشروعها الحلم؛ لذا فمن حق المتخوفين من تلك الجماعة وفروعها في الدول الأخرى تقييم هذا المشروع لأن المجتمعات ليست مسرحاً للتجارب