هذه التدوينة نشرت قبل أكثر من سنة أثناء معركة جامعة كوست
سعد البريك من الشخصيات الصحوية المثيرة والمتقلبة والغامضة في الوقت ذاته , حيث كان سعد البريك في بدايات الصحوة يحمل فكراً متحفظاً على التهيج الشعبي واستغلال المنابر والمساجد من أجل الصراعات السياسية والفكرية , حيث كان أقرب ما يكون من المنهج (التبليغي) الذي يهتم بالرقائق وعبادات القلوب بعيداً عن الصراعات الفكرية والسياسية والتهجم على الفرقاء والمناوئين للمد الصحوي , فهو كان يغشى مجالس الشباب على الأرصفة ويهتم في نصح ما يسمونهم بالعصاة , وكان يومها من المتحفظين على منهج الشيخ سلمان العوده وبقية أقطاب الخط الصحوي السياسي , ويمكن أن يكون من أوئل من اختط المنهج الجامي حتى قبل أن (يُشَكل) يومها , ولم يكن منبره في تلك الفترة من المنابر الصحوية الساخنة (سياسياً) بل كان منبراً وعظياً صرفاً يردد القصص الخيالية التي تستخدم من قبل بعض الوعاظ في الدعوة حتى وإن كانت مختلقة , ولعل بعض من عايش تلك الفترة يذكر حكاية خطبة (التوبة الصادقة ) التي حكى فيها قصة التائب (أحمد) والتي يمكن تصنيفها فنياً تحت (الدراما الهندية ) ومن ثم تبين فيما بعد بأنها من نسج خيال أحد الدعاة الذي ذكرها للشيخ سعد وهو بدوره ارغد بها وأزبد وطار بها كل مطير .في بداية التسعينات أصدر الدكتور سعد البريك شريطاً كان بعنون ( حاول وانت الحكم) وتم توزيعه بكثافة في الجامعات والمدارس والمساجد , وبعد فترة وكحزء ثانٍ من تلك الخطبة قدم إلى بريدة وألقى محاضرة كانت بعنوان ( حاولنا فوجدنا النتيجة ) في نادي التعاون واصطحب معه الفنان فهد بن سعيد رحمه الله وبعض اللاعبين ( التائبين) كان من بينهم على ما اذكر (راشد الدكان )الذي كان يلعب مع نادي النصر ( إن لم تخني الذاكرة) وبعد أن الهب مشاعر الحضوربالأحاديث الوعظية السائدة في مثل هكذا مناسبات من الاستشهاد بالقصص الخيالية وذكر فصائل الثعابين في القبر, ومن ثم تحدث الضيوف من التائبين , وإلى هذه اللحطة لا زلت غير قادر على استيعاب (كُـنه )المعصية التي تابوا منها فمارسة كرة القدم كان الشباب في المراكز الصحوية يمارسونها في رحلاتهم ومناشطهم , وكنتُ يومها ممن حضر تلك المحاضرة مع أني غير معني لا من قريب ولا من بعيد بالتكييف الدقيق لنوعية المعاصي التي كانت تتحدث عنها المحاضرة , حيث اني لا يمكن لي من الناحية الفزيائية ممارسة كرة القدم هاوياً أو محترفاً إلا أنني مع هذا تطفلت وحضرت تلك المحاضرة وانتقلت مع الشباب بعد المحاضرة إلى فندق السلمان حيث أقام الشيخ سلمان العوده مأدبة عشاء على شرف الدكتور سعد البريك , ومع أنهم كانوا يظهرون أمام الشباب متشابكي الايدي إلا أن الجميع يعرف مدى الفجوة المنهجية بين الشيخين حيث كان الشيخ سلمان العوده يبشر بمنهجية جديدة في الدعوة تنقلها من تقليدية الوعظ إلى فضاءات السياسة الرحبة , لذا لم يستطع سعد بريك التكيف مع الواقع الجديد أو مزاحمة الأسماء التي طرحت نفسها كرقم يصعب تجاوزه أو حتى مجاراته .ومع صعود ثلاثي الصحوة الكبار ( سلمان العوده وناصر العمر وسفر الحوالي – مع حفظ الأالقاب) وورائهم مجموعة من الوعاظ مثل عبدالوهاب الطريري وعايض القرني واخرون, بدأت الأضواء تنسحب تدريجياً من على سعد البريك , وبدا منبره يخبو , وهجره مريدوه إلى المنابر الساخنة وخصوصاً منبر عبدالرهاب الطريري في جامع الملك عبدالعزيز في بداية شارع العليا العام ، حيث كان قبلة أسبوعية للشباب على كافة تشكلاتهم الحركية , ولم يستطع البريك مسايرة المد الجارف الجديد , كما أنه لم يجرؤ على إعلان الحرب العلنية والتصريح علانية بمعارضته للتيار الجارف والانضمام إلى فرقة ما كان يسمى بالجامية التي بدأت نشاطها بكثافة خصوصاً في جامعة الإمام , إضافة إلى ماسبق فإن كثيراً من الشباب يومها يتحفظ على بعض ممارسات الشيخ سعد بسبب ( غشيانه ) مجالس السلاطين كما كانوا يقولون , عندها انسحب الشيخ سعد البريك من المشهد الصحوي وانتقل الى الدعوة (الخاصة) حيث تقديم الخدمات (الدينية) كباقة متكاملة للطبقة المخملية من وعظ ورقية وتفسير أحلام وكافة أشكال الاعمال اللوجستية الدينية و على طريقة اشبه ما تكون تسليم مفتاح .ب وقد لازم سعد البريك الامير عبد العزيز بن فهد طوال فترة قوته و نفوذه ، وحُسُن حال الشيخ و تغيرت أحواله ، وبعد أن خبأ وهج الامير ، وانتهى الشيخ سعد البريك من مهمته لدى الطبقات العلا ؛ عاد إلى الساحة الصحوية التي كانت تعاني من فقدان ( رأس الحربة) بعد أن انسحب الشيخ سلمان العوده واغاب سفر الحوالي أنكفأ ناصر العمر ولم يستطع المتمشيخة الجدد من فصيلة ( البَصَقة ) من ملأ الفراغ الذي تركه ثلاثي الصحوة لعدة أسباب لعل أبرزها افتقادهم للكريزما التي كان يتحلى بها بعض الرواد الأوائل , إضافة إلى عدم امتلاكهم تاريخاً يمكن أن يشفع لهم بأن يرمزوا كقادة جدد للصحوة في نسختها الثانية .يبدو أن الشيخ سعد البريك وجد المشهد مناسباً لأن يطرح نفسه من جديد ويعيد طرح نفسه في المعترك الثقافي والفكري المحتدم لكن بثوب جديد غير الثوب الذي خرج به منها قبل أكثر من خمسة عشر سنة حيث كان واعظاً وحسب يقتات من مرتبه كمحاضر في الكلية المتوسطة بالرياض ولم يكن منعجن بالعمل السياسي , لكنه الان أراد أن يمارس ذات الدور الذي كان يمارسه مشائخ الصحوة الأوائل والذي كان يجاهر في معارضته لهم (منهجياً) لأنه كان يعتقد بأن بناء الشباب وتربيتهم أولى من اجترار المواجهة مع السلطة السياسية في وقت مبكر من عمر الصحوة الفتية وهو الطرح الذي كان يشاركه بعض من قادة العمل التربوي الديني في الرياض , فبدأ الشيخ سعد يطرح نفسه منافحاً ضد العلمانيين والليبراليين وبدأ يدخل معارك فكرية لم يكن في السابق يرى مشروعيتها على المنابر .هل استطاع البريك أن يقنع المنخرطين في العمل الديني بأنه غير قناعته وأنه قادر على ملء الفراغ ؟ وهل نجح في مسح الشوائب التي كانت عالقة به و (الهمهمات ) التي كانت تدور حوله وحول ثروته الطائلة ؟ حقيقة أنا عاجز عن الجزم بالنفي أو بالايجاب لكن الذي أجزم به أنه أخر شيخ يمكن أن يتخذ موقفاً مبدئياً سواءً كنا معه او ضده فلا يمكن على سبيل المثال تصديق هجماته من على منبره (المسالم) سابقاً على كل حركات التغيير والاصلاح في البلد – وأخرها جامعة كوست – أنها صادرة من غيرة على شريعة الله ودينه وهو بذلك التاريخ المعروف لكل من كان له سابق عهد بشيء من تفاصيلها ، لكن الشيخ حفظه المنان يبدو بأنه أراد أن يمارس الفروسية لكن في الوقت الضائع .